سورة طه - تفسير تفسير ابن كثير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (طه)


        


{قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)}.
يقول تعالى مخبرًا عن فرعون أنه قال لموسى حين أراه الآية الكبرى، وهي إلقاء عصاه فصارت ثعبانًا عظيما ونزع يده من تحت جناحه فخرجت بيضاء من غير سوء فقال: هذا سحر، جئت به لتسحرنا وتستولي به على الناس، فيتبعونك وتكاثرنا بهم، ولا يتم هذا معك، فإن عندنا سحرًا مثل

سحرك، فلا يغرنك ما أنت فيه {فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا} أي: يومًا نجتمع نحن وأنت فيه، فنعارض ما جئت به بما عندك من السحر في مكان معين ووقت معين فعند ذلك {قال} لَهُمْ مُوسَى {مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ} وهو يوم عيدهم ونَوروزُهم وتفرغهم من أعمالهم واجتماعهم جميعهم؛ ليشاهد الناس قدرة الله على ما يشاء، ومعجزات الأنبياء، وبطلان معارضة السحر لخوارق العادات النبوية، ولهذا قال: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ} أي: جميعهم {ضُحًى} أي: ضحوة من النهار ليكون أظهر وأجلى وأبين وأوضح، وهكذا شأن الأنبياء، كل أمرهم واضح، بيّن، ليس فيه خفاء ولا ترويج؛ ولهذا لم يقل {ليلا} ولكن نهارًا ضحى.
قال ابن عباس: وكان يوم الزينة يوم عاشوراء.
وقال السدي، وقتادة، وابن زيد: كان يوم عيدهم.
وقال سعيد بن جبير: يوم سوقهم.
ولا منافاة. قلت: وفي مثله أهلك الله فرعون وجنوده، كما ثبت في الصحيح.
وقال وهب بن مُنَبِّه: قال فرعون: يا موسى، اجعل بيننا وبينك أجلا ننظر فيه. قال موسى: لم أومر بهذا، إنما أمرت بمناجزتك، إن أنت لم تخرج دخلت إليك. فأوحى الله إلى موسى أن اجعل بينك وبينه أجلا وقل له أن يجعل هو. قال فرعون: اجعله إلى أربعين يومًا. ففعل.
وقال مجاهد، وقتادة: {مَكَانًا سُوًى} مَنْصَفًا.
وقال السدي: عدلا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: {مَكَانًا سُوًى} مستوى يتبين الناس ما فيه، لا يكون صَوَب ولا شيء يتغيب بعض ذلك عن بعض مستوٍ حتى يُرى.


{فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى (60) قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى (61) فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى (62) قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى (63) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى (64)}
يقول تعالى مخبرًا عن فرعون أنه لما تواعد هو بموسى عليه السلام، إلى وقت ومكان معلومين، تولى، أي: شرع في جمع السحرة من مدائن مملكته، كل من ينسب إلى سحر في ذلك الزمان. وقد كان السحر فيهم كثيرًا نافقًا جدًا، كما قال تعالى: {وَقَالَ فِرْعَوْنُ ائْتُونِي بِكُلِّ سَاحِرٍ عَلِيمٍ} [يونس: 79].
{ثُمَّ أَتَى} أي: اجتمع الناس لميقات يوم معلوم وهو يوم الزينة، وجلس فرعون على سرير مملكته، واصطف له أكابر دولته، ووقفت الرعايا يمنة ويسرة وأقبل موسى، عليه السلام، يتوكأ على عصاه، ومعه أخوه هارون، ووقف السحرة بين يدي فرعون صفوفًا، وهو يحرضهم ويحثهم، ويرغبهم في إجادة عملهم في ذلك اليوم، ويتمنون عليه، وهو يعدهم ويمنيهم، فيقولون: {أَئِنَّ لَنَا لأجْرًا إِنْ كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ * قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ} [الشعراء: 41، 42]. {قَالَ لَهُمْ مُوسَى وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا} أي: لا تُخَيّلُوا للناس بأعمالكم إيجاد أشياء لا حقائق لها، وأنها مخلوقة، وليست مخلوقة، فتكونون قد كذبتم على الله، {فَيُسْحِتَكُمْ بِعَذَابٍ} أي: يهلككم بعقوبة هلاكًا لا بقية له، {وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى * فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ} قيل: معناه: أنهم تشاجروا فيما بينهم فقائل يقول: ليس هذا بكلام ساحر، إنما هذا كلام نبي. وقائل يقول: بل هو ساحر.
وقيل غير ذلك، والله أعلم.
وقوله: {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى} أي: تناجوا فيما بينهم، {قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ} هذه لغة لبعض العرب، جاءت هذه القراءة على إعرابها، ومنهم من قرأ: {إنْ هَذَينِ لَسَاحِرَانِ} وهذه اللغة المشهورة، وقد توسع النحاة في الجواب عن القراءة الأولى بما ليس هذا موضعه.
والغرض أن السحرة قالوا فيما بينهم: تعلمون أن هذا الرجل وأخاه- يعنون: موسى وهارون- ساحران عالمان خبيران بصناعة السحر، يريدان في هذا اليوم أن يغلباكم وقومكم ويستوليا على الناس، وتتبعهما العامة ويقاتلا فرعون وجنوده، فينتصرا عليه ويخرجاكم من أرضكم.
وقوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} أي: ويستبدا بهذه الطريقة، وهي السحر، فإنهم كانوا معظَّمين بسببها، لهم أموال وأرزاق عليها، يقولون: إذا غلب هذان أهلكاكم وأخرجاكم من الأرض، وتفردا بذلك، وتمحضت لهما الرياسة بها دونكم.
وقد تقدم في حديث الفتون عن ابن عباس قال في قوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} يعني: ملكهم الذي هم فيه والعيش.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا نعيم بن حماد، حدثنا هُشَيْم، عن عبد الرحمن بن إسحاق، سمع الشعبي يحدث عن علي في قوله: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} قال: يصرفا وجوه الناس إليهما.
وقال مجاهد: {وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} قال: أولي الشرف والعقل والأسنان.
وقال أبو صالح: {بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} أشرافكم وسرواتكم.
وقال عكرمة: بخيركم.
وقال قتادة: وطريقتهم المثلى يومئذ بنو إسرائيل، كانوا أكثر القوم عددا وأموالا فقال عدو الله: يريدان أن يذهبا بها لأنفسهما.
وقال عبد الرحمن بن زيد: {بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى} بالذي أنتم عليه.
وقوله {فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا} أي اجتمعوا كلكم صفًّا واحدًا، وألقوا ما في أيديكم مرة واحدة، لتبهروا الأبصار، وتغلبوا هذا وأخاه، {وَقَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى} أي: منا ومنه، أما نحن فقد وعدنا هذا الملك العطاء الجزيل، وأما هو فينال الرياسة العظيمة.


{قَالُوا يَا مُوسَى إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى (65) قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الأعْلَى (68) وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى (69) فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى (70)}.
يقول تعالى مخبرًا عن السحرة حين توافقوا هم وموسى، عليه السلام، أنهم قالوا لموسى: {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ} أي: أنت أولا {إِمَّا أَنْ تُلْقِيَ وَإِمَّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقَى * قَالَ بَلْ أَلْقُوا} أي: أنتم أولا ليُرى ماذا تصنعون من السحر، وليظهر للناس جلية أمرهم، {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}. وفي الآية الأخرى أنهم لما ألقوا {وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُونَ} [الشعراء: 44] وقال تعالى: {سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ} [الأعراف: 116]، وقال هاهنا {فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى}.
وذلك أنهم أودعوها من الزئبق ما كانت تتحرك بسببه وتضطرب وتميد، بحيث يخيل للناظر أنها تسعى باختيارها، وإنما كانت حيلة، وكانوا جمًّا غفيرًا وجمعًا كبيرًا فألقى كل منهم عصا وحبلا حتى صار الوادي ملآن حيات يركب بعضها بعضًا.
وقوله: {فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسَى} أي خاف على الناس أن يَفْتَتِنوا بسحرهم ويغتروا بهم قبل أن يلقي ما في يمينه، فأوحى الله تعالى إليه في الساعة الراهنة أن {وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ} يعني: عصاه، فإذا هي {تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا} وذلك أنها صارت تِنِّينًا عظيما هائلا ذا عيون وقوائم وعنق ورأس وأضراس، فجعلت تتبع تلك الحبال والعصي حتى لم تبق منها شيئًا إلا تلقفته وابتلعته، والسحرة والناس ينظرون إلى ذلك عيانًا جَهْرة، نهارًا ضحوة. فقامت المعجزة، واتضح البرهان، وبطل ما كانوا يعملون؛ ولهذا قال تعالى: {إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى}.
وقال ابن أبي حاتم حدثنا أبي، حدثنا محمد بن موسى الشيباني حدثنا حماد بن خالد، حدثنا ابن معاذ- أحسبه الصائغ- عن الحسن، عن جُنْدَب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أخذتم- يعني الساحر- فاقتلوه» ثم قرأ: {وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} قال: «لا يؤمن به حيث وجد».
وقد روى أصله الترمذي موقوفًا ومرفوعًا.
فلما عاين السحرة ذلك وشاهدوه، ولهم خبرة بفنون السحر وطرقه ووجوهه، علموا علم اليقين أن هذا الذي فعله موسى ليس من قبيل السحر والحيل، وأنه حق لا مرية فيه، ولا يقدر على هذا إلا الذي يقول للشيء كن فيكون، فعند ذلك وقعوا سُجَّدًا لله وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ} [الشعراء: 47، 48].
ولهذا قال ابن عباس، وعُبَيد بن عُمَير: كانوا أول النهار سحرة، وفي آخر النهار شهداء بررة.
قال محمد بن كعب: كانوا ثمانين ألفًا، وقال القاسم بن أبي بزَّة: كانوا سبعين ألفًا.
وقال السدي: بضعة وثلاثين ألفًا.
وقال الثوري: عن عبد العزيز بن رُفَيْع، عن أبي ثمامة: كان سحرة فرعون تسعة عشر ألفًا.
وقال محمد بن إسحاق: كانوا خمسة عشر ألفًا.
وقال كعب الأحبار كانوا اثني عشر ألفًا.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن علي بن حمزة، حدثنا علي بن الحسين بن واقد، عن أبيه، عن يزيد النحوي، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كانت السحرة سبعين رجلا أصبحوا سحرة وأمسوا شهداء.
قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا المسيب بن واضح بمكة، حدثنا ابن المبارك قال: قال الأوزاعي: لما خرَّ السحرة سُجَّدًا رُفعت لهم الجنة حتى نظروا إليها.
قال: وذُكر عن سعيد بن سلام: حدثنا إسماعيل بن عبد الله بن سليمان، عن سالم الأفطس، عن سعيد بن جبير قوله: {فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا} قال: رأوا منازلهم تبني لهم وهم في سجودهم.
وكذا قال عكرمة والقاسم بن أبي بَزَّة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8